عازفة الناي قصيدة للشاعر سعيد تايه من الأردن
يسعدني ويشرفني أن ألتقي والشاعر الأردني الكبير سعيد تايه حول رائعته ( عازفة الناي) وإليكم النص :
عـــازِفَـــة النــــاي
1. تلكَ الصَّبِيَّــةُ كَــمْ أهْـــوَى أُحَيِّيهَـــا بالنَّــايِ تَعْــزِفُنَـا أحـلَــى أغَـانيهَــــا
2. كَـأنَّهَـا زَهْـرَةٌ فـي الـرَّوْضِ ناهِـــدَةٌ النُّـــورُ يَغْـمُـرُهَــا والمــاءُ يَرْويهــا
3. نَـرَى أصَابِعَـهـا باللَّـحْــنِ تُسْكِـرُنَــا فَحيـــنَ تَعْـــزِفُ يُغْـوينَـــا تَثَـنِّيهَـــا
4. ألْحَـانُ نَـايَتِهَـا مِـنْ حـيـنِ أَسْمَعُهــا قَـلْبِي يُـزَغْـــرِدُ فَـْرحانَــا بِمـَا فيهَـا
5. غـنّـتْ عَـلَى النَّـايِ ألحـانَـا لَهـا أثَـرٌ في النّفْسِ يَمْكُـثُ يُشجينا وَيُشجيهـا
6. صَارَتْ لَهَا صُورَةُ في القِلْبِ ماثِلَةٌ مثـلُ القَصيـدةِ قـــدْ رقـــتْ قَـوافيهَـا
7. اللَّـــــهُ جَمّلَهَـــا بالحُسْـنِ كَـمَّلَـهَـــا تَبْــدُو ملاكَـا وَمَـا في الخَلْـقِ ثانيهـا
8. وَمِن ذُكـاءَ لقـد حيكَـتْ ضَفَائِــرُهَـــا أسلاكُهَـا ذّهَـبٌ قَــدْ جَـــلَّ بَـاريهَـــا
9. كُـلُّ الَّذي لاحَ لِي مِـنْ طَـرْفِهَـا حَسَنٌ يَحْـوِي إشِـارَةَ حُـــبٍّ مِــنْ مَـآقيهَـــا
10. فــي مَيْعَـــــةِ الإصباح مشرقة كالشّمْس عِنْدَ الضُّحَى أشْهَى لرائيهَا
11. تَبْـدُو كَنَسْمَـةِ فَجْـرٍ فـي عُـذُوبَتِهَــا كَـغُصْنِ بَـانٍ طَـرِيِّ العُــودِ حَـاليهَــا
12. رَأًيْتُهَـا غَضَّــةَ الأطْــرافِ نـاعِـمِـــةً فيهـا الشَبَــابُ فًتُصْبينِـي وَأُصْبيهَــا
13. لَهَـا قَــــوَامٌ نَحيـــلُ القَــــدِّ مُعْـتَـــدِلٌ وَوَجْهُهـأ الغَضُّ مِـنْ أحْـلَى دَراريهَـا
14. مـنْ ظُرفـهـا قَمَـرا تَبْـدو مَحاسِنُهــا تُـعــدُّ واحِـــدةً والنّجْــــمُ ثــانيـهـــا
15. ضَحُـوكَـةُ الـوِجْهِ يُغْـرينِـي تَبَسُّمُهَـا والحُسْـنُ فـي طَـرْفِهَـا أحـلَى لآليهـا
16. وَرُوحُهَـا مِـثْلُ مـاءِ المُــزْنِ صافِيَـةٌ وَمَـا بِـهَـا عَـكَـرٌ بالنَّفْـسِ أفـــديهَـــا
17. أصْبُـو إلّيْهَـا وَأصْبُــو كُلَّمَـا نَظَــرَتْ نَحْوِي اشْتِيَاقَـاً وَقـدْ رَقَـتْ حَواشيها
18. رَأَيْت فيهـا جَمَـالَ الكَـوْنِ مُخْتَصَـرا عـلَـى الـخُـدُودِ وُرُودٌ مِـنْ أقَـاحيهَـا
19. جَعَـلْتُ قَـلْبِي لَهـا خِــدْراً تنـامُ بِـــهِ وَمُهْجَتِي سَـكَــنُ والروحُ نـاديهـــا
20. أتَيْتُهَـــا بِفُـــؤَادٍ هــــاجَ هـائِجــــــهُ كَـأنَّـــهُ مُشْـفِـــقٌ ألا يُـلاقـيـهَــــــا
21. جـاءَتْ تُصَافِحُنِـي والعَـيْـنُ ضَاحِكَـةٌ والنَّفِـسُ حَـالِمَــةٌ تَـدْري أُنـاجيهَـــا
22. فَـأكْـرَمَتْني وَكـانــتْ فيـــهِ بَـاذِخَـــةً فَـكَيْـفَ لِــي أنْ أُجـازيهَـا وَأحْميهَـا
23. قـالُـوا عَـلَيْكَ بِهَـا لا شِيْءَ يُؤْنِسُهـا إلاَّكَ أنــتَ لَـهَـــا حَـقّــقْ أمَـانيهَــــا
24. أعْطَاكَهَــا اللَّــه رِزْقَـا أنتَ صاحِبُـهُ بِهَـا تَحـوزُ جَنَى الـدُّنْيَـا وَمـا فيهَــا
تحليل :
******
الناي :آلة موسيقية خشبية شرقية مصنوعة من عيدان القصب مجوفة الطرفين تستخدم في العزف في الأفراح والأحزان : استخدمها الشاعر وسيلة للتعبير عما في النفس من مشاعر وأحاسيس ويمر من خلالها كل ماتحس به تلك الصبية من أشجان فيقف الشاعر أمامها مفتوناً بها يسمع منها ماتحكيه من أغانيها فيرفع لها قبعته مقدماً لها التحية ثم يتخيل الشاعر تلك الصبية وكأنها زهرة جميلة في بستان يحيط بها النور ويغمرها الماء وينظر إلى أصابعها وهي تعزف فتغويه وتسكره وكلما سمع منها لحناً يزغرد قلبه من شدة الفرح - وأحياناً تقلب عليه المواجع بما تتركه من أثر يشجيه
وتبقى صورتها في قلبه كقصيدة رقيقة القوافي فقد زادها الله حسناً وكمالاً كملاك ليس له ثان وقد نسجت ضفائرها كأسلاك الذهب من صنع الباري عزوجل وهذا الحسن الراقي يعطي أشارة حب في عيونها وهي تشرق في الصباح كالشمس وتحلو عند الضحى وهي في عذوبتها كنسمة الفجر أو غصن البان الطري
وأخذ الشاعر يصف لنا تلك الصبية عازفة الناي بأنها شابة ناعمة غضة الأطراف وتتوافق معه وقوامها معتدل ووجهها غض وهي كالقمر والنجم ثانيها وهي تعلوها الابنسامة والضحكة ويغمرها الحسن وروحها صافية كماء المطر لايخالطها العكر كلما نظرت إلي أشتاق إليها فقد اجتمع فيها جمال الكون كله في الخدود والأقاحي فأعطيتها قلبي ومهجتي وروحي نادياً وسكناً والقلب هائج مشفق ألايلاقيها ثم يفاجئنا الشاعر بمجيئها بعين ضاحكة ونفس حالمة لتصافحه في مناجاة رائعة ويعترف بإكرامها له ويريد ان يجازيها ويحميها ويحقق أمانيها ويؤنسها لأنها ليس لها أحد سواه وما أعطاها الله من رزق فهو يملكه وبه ينال خير الدنيا وما فيها .
التعليق :
الشاعر الكبير سعيد تايه موسوعة علمية وأدبية متكاملة أثرى المكتبة الأدبية بالعديد من الدواوين الشعرية في جميع مناحي الحياة فهو يملك زمام اللغتين العربية والإنجليزية ويملك ناصية البلاغة العربية وعلم العروض ويجيد انتقاء الالفاظ الموحية واستخدام الحروف الموسيقية التي تجعل من القصيدة قطعة موسيقية متكاملة الأوطار لموسيقار بارع ويحسن توظيف الألفاظ لخدمة المعنى ويجيد تنوع الأساليب الخبرية والإنشائية وما تعبر عنه من دلالات فكرية ويستخدم الالفاظ المعجمية التي يصعب على القارئ العادي فهمها
مثل :تضبيني -ناهدة- المآقي-الأقاحي باذخة ..كما يحسن تطويع اللغة لخدمة المعنى بعمق كبير مثل أعطاكها الله انظر إلى التقديم والتأخير والمفعول الثاني للفعل أعطى درايةو خبرة فنية رائعة لايتسع المقام للإلمام بالجوانب الفنية لهذا الهرم الشامخ هذا بالإضافة لحسن اختيار الصور البلاغية من تشبيه وكناية واستعارة ومجاز مرسل التي تحول القصيدة إلى كائنات حية متحركة تترك أثراً كبيراً في نفس القاريء فالعين ضاحكة والنفس حالمة حسن تقسيم رائع يعطي موسيقا ظاهرة للنص .
تعقيب :
تحياني وتقديري للشاعر الاردني الكبير سعيد تايه اتمنى لك من كل قلبي دوام الإبداع الأدبي لخدمة لغة الضاد وإثراء المكتبة العربية.
بقلم الناقد ناجي عبد العاطي .
تعليقات
إرسال تعليق