أنا وقصيدتي ..نص للشاعر السوري عادل ناصيف

 أنا وقصيدتي

قصيدتي الآن معمّدة بالدمْ

بتراء  بلا عنوان 

انطلقتْ على هواها

تمرّدتْ على الأعراف والموازين  

وخرجتْ عن ضوابط النحو والصرف وعن القوانين

قصيدتي الآن ليست كبقية القصائد 

جامحة  كفرس  بلا لجام 

صهيلها صوت رياح هوجاء عابر للمسافات

تضرب بحوافرها من تشاء ومن تراه معترضاً 

تبحث عن فارس يليق بها وتليق به ولا تجد 

قصيدتي اليوم انطلقتْ في الفضاء ولا أعرف أين ينتهي بها المطاف 

 تبحث عن كوخ يأويها لتدبّ به الحياة  وتغزل من حبيباته  أكواخاً لمن لا كوخ له

الأرض التي أنجبتها خلت من البيوت  الصالحة للسكن والحدائق جفّ ترابها 

والشجيرات التي كانت قصيدتي تستروح في ظلالها جفّ نسغها وماتت الحياة فيها 

بحثتُ عنها ولم أجدها وما زلتُ أدور  وأنا في مكاني ، وعبثاً أحاول

أين هي الآن  ؟ وأين تختبئ ؟

مجنونةٌ قصيدتي  ،  مصابة بالهذيان  ،  منكوبةٌ  ، مسلوبة الإرادة  .

حروفها ناريّة وكلماتها براكين مشتعلة 

لا تستجيبُ لنداءاتي  ، ولا  تأبه للشيب الذي لفّني بمنديله الأبيض 

وما أثارها  مبضع الجراح  جورج مقدسي يغلّ في شراييني ليعيد الحياة إلى قلبي الوادع الهانئ 

كأنها لم تكن تعرفني ، لا  أكلت من لحمي ولا شربت من دمي  

تبّتْ  أحرف الشعر  ،  وتبّتْ قوافيه 

تبّاً لك أيتها القصيدة المجنونة 

هجرتني بلا سبب  أنكرتِ قبلاتي  وجحدتِ  بعواطفي ومشاعري 

رفضتِ قصرك الملوكي الذي بنيتُه لك من ضلوعي وحبيبات قلبي 

عودي إليّ ولا تخافي لن تري حضناً دافئاً كحضني ولا صدراً حنوناً كصدري 

ولا طعاماً أشهى وألذّ من طعامي ولا شراباً أعذب وأنقى  

لن تسمعي لساناً  أبلغ  وأصفى وأصدق 

وعادت قصيدتي إليّ حاملةً هموم شعب منكوب  مثقلةً متعَبةً وبصوتها المبحوح 

حدّثتني عن رحلتها وما حملته إليّ  :

لقد طفتُ العالم يا شاعري الجميل كي آتيك بما يرضيك لتغزل منه ثوباً حريرياً يستر جسدي العاري ذهبتُ  إلى أقرب الناس إليّ يعرفون لغتي وأعرف لغتهم قرعتُ بابهم فأولجوه بوجهي وسخروا مني هازئين  لقد أعمتْ بصائرهم كنوزهم  سحتُ في كل أنحاء العالم أبحث عن 

الضمير الحي وما عثرت عليه  وأخيراً استقرّ بي المقام في جنوب أفريقيا  وألبسوني هناك ثوباً حريرياً مغزولاً من زهر الياسمين  ومطرّزاً يشقائق النعمان وأرجوان غزة وزيتونها 

أتيتك عروساً مكحولة بدماء أطفالها ودموع نسائها لقد قسّمتُ نفسي ووزعتها ،  ستراني في كل بيت من بيوتها وفي كل عين من عيون أطفالها  ، في شوارعها ، في حدائقها  ، في أسرّة أطفالها ، في أكفانهم ، في مقابرهم الجماعية ، في كنائسها المهدّمة وجوامعها المحطّمة 

ستسمعني بأصوات  الأمهات  وثباتهن وإصرار أهلها على البقاءْ  فوق ترابها أعزاءْ   أو تحت ترابهاشهداءْ

 أنا ما خنتك وما ابتعدتُ عنك  ،  أنت حبيبي وأنا حبيبتك 

أنا لا أنساك ما زلتُ أغتسل بدموع عينيك  وأرتوي بدمك وأرقص على دقات قلبك 

اتركني أسبح على هواي ولا تقيّدني بموازينك وقوانينك  ولو  وصفني  النقّاد  بالقصيدة المتمرّدة

أو القصيدة المجنونة  وليقولوا عنك ما يقولون   وإذا طال غيابي عنك ستجدني أبحث عن الضمير 

بين أبناء العرب 

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

/ توسن أريزونا / ٢١ / ١ / ٢٠٢٤/


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عناق .. قصيدة للشاعر اليمني د. جلال أحمد المقطري

جنون قصيدة للشاعر د. جلال أحمد المقطري من اليمن

مع القافيه .. قصيدة للشاعر د. جلال احمد المقطري من اليمن