أغثني ياملاك الشعر. قصيدة للشاعر السوري عادل ناصيف
( أغثْني يا ملاك الشعر )
دعوتُ الشعرَ ما له لا يُجيبُ
كأني حينَ أدعوهُ غريبُ
أُحاورُهُ فينفرُ مِنْ لساني
وفي بُرْدَيَّ مرتعُهُ الخصيبُ
سقيتُهُ مِنْ دمي وجعلتُ روحي
مداداً في قوافيهِ تذوبُ
وبينَ سطورِهِ قسَّمتُ نفسي
وفي جسدي به منه لهيبُ
لَقَدْ أتعبتَني يا شعرُ قُلْ لي
فهل وافاكَ منّي ما يُعيبُ
دعوتُكَ فاستجبْ وأرِحْ فؤادي
أما أنتَ الدواءُ ولي طبيبُ ؟
أما كُنتَ المنارةَ في عيوني
رديفاً حين تطفئها الحقوبُ
وقلباً لي إذا ما جفَّ قلبي
وأدمتْه الكوارثُ والخطوبُ
أترضى أن يقول الدهرُ فينا
حبيبٌ خان صحبته حبيبُ
إذا أقصاك عني الشيبُ فاعلمْ
فؤادي في صباهُ لا يشيبُ
وَإِنْ غابت شموس الكون عني
فشمسُ الشامِ عني لا تغيبُ
أنا لي في بلادي ذكرياتٌ
متى تحنو عليَّ وتستجيبُ ؟
أَغِثْني يا ملاكَ الشعرِ إني
بهذي الدارِ منفردٌ غريبُ
فما للصبِّ إلّا أنت أنسٌ
إذا ما جفَّ بيدرُه الرحيبُ
إذا لم أوفِ أهلَ الحقِّ حقّاً
فكلُّ مشاعري إفكٌ وحوبُ
بنات الشام في المنفى سبايا
بسوق النفطِ والنخّاسُ ذيبُ
بها الساحاتُ تغمرها الضحايا
وأشلاءٌ بها ودمٌ سكيبُ
تأنَّقْ فالشآمُ لها امتدادٌ
بقلبي واللقاءُ بها قريبُ
وجمِّلْ ثوبَ عرسكَ واصطحبْني
هناك العرسُ والنَّغَمُ الطروبُ
هناك منابتُ الشعراءِ فيها
وشعري فوقَ منبرها يطيبُ
بها من ياسمين الشعر عطرٌ
وَمِنْ نسَماتِهِ أرَجٌ وطيبُ
أنا يا شعرُ ما نضبتْ حروفي
لها في كلِّ جارحةٍ دبيبُ
وفي قلمي يُدندنُ ألفُ شادٍ
وفوقَ يدي يُغرِّدُ عندليبُ
أيُذنبُ شاعرٌ إنْ رقَّ وجداً
وهل عيبٌ إذا انتفضَ الأديبُ ؟
جعلتُ من القصيدةِ لي جواداً
أجوبُ بها البحورَ فتستجيبُ
فما أغوَتْ حروفي ذاتُ أنسٍ
ولا امرأةٌ مدلّلَةٌ لَعوبُ
وفي وطني مناحاتٌ وثُكْلٌ
يتامى في بواديهِ تجوبُ
إذا ما قلتُ فيهم كان ذنبي
وأيم اللهِ إني لا أتوب
فأطْلِقْ لي قوافيكَ العذارى
فيومُ النصرِ موعدُهُ قريبُ
غداً يا شعرُ تزهرُّ الأماني
وتخضرُّ المدارجُ والدروبُ
وتحيا سوريا أرضاً وشعباً
وتأتلفُ السواعدُ والقلوبُ
وينهض من دم الشهداءِ نسرٌ
يُثيرُ الرعبَ موكبُه مَهيبُ
ويجمعنا بها عصَبٌ وعرقٌ
ومئذنةٌ يعانقها صليبُ
فتحلو أنت في شفتي وأحلو
وحين إذنْ معاً فيها نذوبُ
وزريابٌ على شفتيَّ يشدو
ويصدحُ فوقَ قافيتي عَريبُ (١)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(١) : زرياب وعريب : من أشهر الموسيقيين والمغنين القدماء في بلاد ما بين النهرين الولايات المتحدة الأمريكية / أريزونا / توسن / ٢٠١٥
تعليقات
إرسال تعليق