السيكولوجية الشعرية بين الحداثة والمعاصرة ..بحث للدكتور فالح الكيلاني من العراق

 (       السيكولوجيـــة الشــــعرية

بين الحداثة والمعاصرة  )  - القسم الثــــاني

.

بقلم :  د . فالح الكيـــــــــلاني

.

.

بدأت بوادر النهضة الفنية في الشعر العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، حيث بدات كشذرات خافتة لدى بعض الشعراء او ضئيلة الشأن وكأنها أصوات هامشية كما عند الشاعر ناصيف اليازجي وولده ابراهيم اليازجي وغيرهما ثم أخذ عودها يقوى ويشتد على ايد ي الشاعر محمود سامي البارودي وغيره من شعراء ذلك الزمن فجاءت مندفعة بجد نحو الرقي والاكتمال حتى اذا اكتملت خلال القرن العشرين فاضحت متبلورة في اتجاهات شعرية مختلفة في نهضة ادبية شعرية قد حددت مذاهب الشعر العربي الحديث و تفوقاته ورصدت اتجاهاته .

– راجع كتابي ( شعراء النهضة العربية ) –  المجلد الثامن من موسوعتي (موسوعة شعراء العربية(  –

مستفيدة من التراث العالمي وخاصة الفكر الاوربي آخذةً منه ما يوائم القيم والتقاليد العربية الأصيلة سائرة في سمتها الاصيل نحو الافضل ودائرة في محورها وبالوقت نفسه رافضة مفهوم القصيدة الشعرية كعملية تأليف أو تنظيم كنظم القواعد او نظريات علمية بل فتحت آفاقاً شعرية جديدة غير مسبوقة في تاريخ الشعر العربي مثل الشعر الحر  ( شعر التفعيلة ) الذي رسم الشعر وفق اوزان معينة هي نصف بحور اوزان عمود الشعر ومنه  يقول الشاعر  بدر شاكر السياب في قصيدته (غريب على الخليج ) :

أتعلمين ..

أي حزن ٍ يبعث المطر..

وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع ..

طفلا بات يهذي قبل أن ينام

بأن أمه التي أفاق منذ عام ٌ

فلم يجدها ثم حين لج في السؤال ..

له بعد غد ٍ تعود لابد أن تعود فتستفيق

ملء روحي نشوة البكاء

ورعشة ٌ وحشية ٌ تعانق السماء

كرعشة الطفل إذا خاف من القمر

ثم ولدت قصيدة النثر او ما يسمى بالسطر الشعري في الشعر الحديث او المعاصر والتي أثبتت في نهايات القرن العشرين وبدايات هذا القرن حضورا متميزا في الساحة الشعرية العربية على الرغم من شدة المعارضة  – من اصحاب عمود الشعر او الشعر التقليدي ( التقييدي ) ا و الذين شكّلوا دافعاً قويّاً لاستهداف التغيير والحط من قيمته ومكانته – غير عابهين بهم او غير مستمعين لهم  – و للتطور الزمني الرافض لهذه الحالة والسائر في مسيرة متقدمة نحو المستقبل بنزعاته وارهاصاته .

تقول الشاعرة المغربية فاطمة المنصوري  في قصيدتها (آهات قمر ) :

على جناح الطير  الشادي

سافرت ....

الى الورد الجوري

وكتائب البوح تنادي

من اعماق النيلوفر

خرجت حكاية

ترويها الحواري

على  نغمات اليمام

وجرس الحمام

رعد في قلوب الجبناء

يغتال العنجهية

على نغمات الاوتار

وحفيف الاشجار

شددت تلابيب عمري المندلق

ازحف بين الافاعي

ارسم طريقا

اجتث شوكا

فالشعر الحديث صمد أمام تيارات الرفض هذه وبدأت هذه المعارضة الرافضة تضعف رويداً رويداً أمام رغبة الأغلبية في حتمية التغيير والتحديث وذلك لان الشعر عالمٌ يختلف كليا عن عالمنا المرئي فهو عالم ملئ بالسحر والجمال والطقوس والرمزية ( المعاصرة ) في بعض الاحيان بعيداً ومتجرداً تماماً من المادة .

. راجع كتابي – ( الموجز في الشعر العربي ) الجزء الرابع

-  الرمزية في الشعر المعاصر صفحة\632 وما بعدها)

اما الشعر الجيد فهو الكنز الثمين والوجه الحقيقي للواقع الإنساني ولطالما حلم الإنسان به منذ أقدم العصور بأ ن يكون شاعرا او يولد شاعرا . لذا استطيع ان اقول ان الشعر حالة روحية او نفسية تكتنفها العاطفة الحقة  و تتأ رجح بين التأمل والالهام والحدس فالانسان الحديث ربما كانت له حالة مركبة من المشاعر الرومانسية والألم الواقعي والرموز السيريالية والقلق الوجودي فهو غير الانسان العربي القديم الذي كان هائما في الصحراء ينشد الكلآ والماء ويتغنى بما يجيش في نفسه من مشاعر واحا سيس في حدود امكانيته وظروف طبيعته فالإنسان العربي الحديث ربما تعتريه حالة او مجموعة حالات متناقضة بما تمليه عليه نفسيته والواقع المعاش في الوقت الحاضر وتناقضات المجتمع الانساني المختلفة المحيطة به .

والشاعر الحقيقي هو هذا الذي يرخي عنان قصائده فتخرج عفوية حصيلة ثقافة انسانية عالية  ومشاعر مركبة ومعبرة عن طموحات نفسية الشاعر ومدى تأثيرها في الاخرين و ابداعات خلابة وطموحة . فالقصيدة الحالية تمثل كائنا حيا او هي أشبه بالكائن الحي حيث يمثل شكل القصيدة او بنيتها جسده . ومضمونها روحيته فهي تمثل الصدى الذي تنبلج منه اسرار روح الشاعر واراؤه ممتزجة بعواطفه واحاسيسه .ومن المفيد ان ابين ان الشاعر الحديث المطبوع شاعر تتمثل فيه غزارة الثقافة في امتدادات عميقة وكأنه وارث الحضارات كلها ومطلع على ثقافات الامم المختلفة .

لذا اصبح متمكنا من استخدام مفردات اللغة لتصوير افكاره وارائه وعواطفه وخلجات نفسه دون تاثير من خارج او امر من احد و يرتكز على فلسفة عميقة غنية تحصنه عن القول الضحل الفاني او الركيك الى القول العميق والرصين فهو اذن يمثل فيضا هادرا وتلقائيا للمشاعر النفسية القويَّةِ المنبثقة من اعماقه يَأْخذُ بها مِنْ العاطفة المتأملة المتجددة المنطلقة نحو الافضل متألقة متناغمة تنشد الحياة والانتشاء فيها والحب للانسان المثالي ونحو الافضل في توليده للافكار والابداعات الشعرية الجميلة ومحـــاولة خلـــقها مـــن جــديد واختم بحثي  بقصيدة الشاعرة الفلسطينية المعاصرة ( ايمان مصاروة )وهي تغني لمدينتها المقدسة القدس قصيدتها (  تنهيدة  عشق)  :

على أعتابِ حزنكِ قد مَضَينـــــا

فُرادىً في المنافي نُســـــــــــتباحُ

أيا فجرَ الأماني في عيـــــوني

أيا وجعـــــــاً يُناجيــــــهِ الصباحُ

تَسيلُ دماؤُنا حِينـــــــاً فتَروي

على أعتابِها جُرحــــــــــــاً يُباحُ

ألا يا قدسُ يَبكي الشعرُ مِنّي

دماً  يُشفَى  إذا  حُمِلَ  الســـلاحُ

عروسٌ تَستقي مُرَّ النوايـــــــا

وتأنَفُ مِن هــــــــوانٍ لا يُزاحُ

أكلّمُ تربَها شـــــــــوقًا كأنّي

ملَكْتُ الروحَ أن هبّت رياحُ

لِمَن هذا الشهيدُ ومَن يُصلي

هو القدسُ العتيقةُ والبِطاحُ

أيا وطنَ الجنائنِ أنتَ قلبٌ

تُكبّلُه السلاســــــلُ والجراحُ

.

.لاحظ كتابي ( الشعر العربي بين الحداثة والمعاصرة ) طبع ونشر وتوزيع  دار المرايا  بغداد - الباب المظم  2024

.

امير البيـــــــــــان العربي \رائد الثقافة العربية

د . فالح نصيف  الكيلاني

العراق - ديالى - بلــــد روز

******************

أعجبني

تعليق

مشاركة



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عناق .. قصيدة للشاعر اليمني د. جلال أحمد المقطري

مع القافيه .. قصيدة للشاعر د. جلال احمد المقطري من اليمن

جنون قصيدة للشاعر د. جلال أحمد المقطري من اليمن