حلم نص للشاعر السوري أحمد طاطو

 حلم

على حافة حنيني، أمسك نبضي عكّازه، وانطلق مسافراََ يجوب أنحاء جسدي المنهك من فراق أدماه، حاملاََ معه أمل اللقاء. 

كان اليأس شريك شهقاتي، والدمع سُقيا وجنتيّ، والشوق لعنة تُطاردني من كل اتجاه. 

تدفّقت الدماء في شرايين ذاكرتي وأمطر الحب قطرات شغف سرمدي. والتقى النبض بنجيع وجعي في آخر شريان، 

تعانقا، بَدا كل منهما قلقاً، متوتراََ، قد أجهش بالبكاء مطلقاََ العنان لبوحه، معلناََ تمرّده على عجاف سِنيّ الشوق. تلعثم الأمل، وتلعثمت معه الدموع. بدت الساعات حائرة، أتستهلّ انطلاقة يومها؟ أم تترجّل عن صهوة الحلم مخلفة وراءها الأمنيات؟!  

فجأة، تنهّدت رئة الوجود معلنةََ ولادة أملٍ جديد ،لاح في الأفق، حاملاََ معه بشائر حُبّ جديد. 

لم تعلم الحروف، وقتها، أن الأساطير قد تتحوّل إلى واقع يرسم حياة جديدة، تزهر قبل ربيع العمر.

مَرّ الحب من أمامي، بوسامته، والغموضُ يكتنفه. إنها المرة الأولى التي أراه فيها على هيئة بشر، كنت أؤمن دائماََ أن الحب روحيٌّ، يستوطن في الأفئدة دون أن نلمحه، يتسلل عبر أثير الأحاسيس، ولا يُرى بالعين المجردة. لكنْ، كل النبوءات سقطت ،بدهشة، أمام ما حدث. حينها أيقنت أن ما سمعناه عن الحب، من قبل، إنما هو من وحي الأساطير. الحب كائن حيّ؛ يمشي، يأكل، يشرب، يتنفس، يستيقظ، ينام. يضحك ويتألم، مثلنا نحن بنو البشر.

ارتسمت الابتسامة على وجه اليقين، أزهر فصل العشق حقولاََ من ياسمين تطاير أريج نفحها في كل مكان. ارتعش الجسد، وتلاشت خيبة الأمل، وعلا نشيد الفرح. 

إنها الساعة الثانية عشر منتصف الليل، أعلن الزمن بداية عام جديد وحب جديد.

تلاقت الأنامل، وتماهتِ النظرات، وتداخلت الحروف، واتسعت فوهة الزمن، وولدت الأرض تحت أنظار القمر. 

استرقت النظر، وتوغّلت في عوالم الشوق، تراءت ذات الحسن.. إنها هي، تبدو عليها ملامح العشق. اقتربت واقتربت، رمقتني بنظرة هزّت كياني. 

صمتٌ مبهمٌ أزاح سكينتي، فاغرورقت أوردتي بفيض من المشاعر، نزفت حروفي، توسّد نبضي أهدابها، عانقت ملامحي جسدها، وانتشت أنفاسي متجاهلة الزمن، مجتازة حدود الوطن. 

استفقتُ وقد غادرتُ حلمي، وهجرتُ نصف طيفٍٍ من خيال. لكنني كنتُ مبتسماََ، أصفق لخافقي الذي عدتُ أحيا معه من جديد.

أحمد طاطو