بائع الفرح ..مقال للكاتب الصحفي علاء الغريب
{بائع الفرح}
جَاءَ فَجْرُ العِيدِ
اسْتَيْقَظَ بَائِعُ الفَرَحِ
وَصَاحَتِ الرُّوحُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارِ الصَّمْتِ
"لَقَدِ اسْتَجَابَ اللهُ لدُعَائِي
وَسَمِعَتِ السَّمَاءُ رَجَائِي!"
وَطَرَقَتْ مُنَاجَاتِي فِي هَذَا الشَّهْرِ
أَبْوَابَ لَيَالِي العَشْرِ
... 2
جَاءَ العِيدُ المَجِيدُ
هَلْ تَسْمَعُونَ نِدَائِي؟!
يَا أَهْلَ الوَطَنِ الشُّرَفَاءَ
مَا زِلْتُ أَتَنَفَّسُ الهَوَاءَ
فِي زَمَنِ القَهْرِ
وَمَا زَالَ عَلَى بَقَايَا جَسَدِي المُبْتَلَى رِدَائِي
وَهَا فَجْرِي مِنْ جَدِيدٍ
يُتَمْتِمُ أَلْفَ دُعَاءٍ
وَلَمْ تَأْتِ سَاعَتِي كي أَرْتَحِلُ إِلَى السَّمَاءِ
وَلَمْ تَتَحَقَّقْ أَفْكَارِي المُخِيفَةُ
فَتَأْخُذَنِي إِلَى سُكُوتِ المَوْتِ
صَوْتُ طَلْقَةٍ مِنْ مُتَهَوِّرِ نَمْرُودَ
تَسْكُنُ فِي جَسَدِي المَهْدُودِ
أَوْ شَظِيَّةٌ
أُرْسِلَتْ هَدِيَّةً
لأَكُونَ فِي يَوْمِ العِيدِ ضَحِيَّة
فَيَا عِيدَ البُؤَسَاءِ
فِي وَطَنِ البَلاءِ
تَصْبَحُ جَمِيعُ هَدَايَا العِيدِ
أَلْوَانُهَا حَمْرَاءُ
بِلَوْنِ دِمَاءِ الأَبْرِيَاءِ
خَمْرِيَّةً!
... 3
مَا أَصْعَبَ أَنْ تَحْيَا بِوَطْنٍ
فِي يَوْمِ العِيدِ
لَا تَسْمَعُ فِي سَمَائِهِ
سِوَى تَنَاهِيدِ!
يَخْرُسُ دَاخِلَ فَمِ الإِنْسَانِ
الكَلَامُ وَالتَّحِيَّةُ
تَصْبَحُ الوُجُوهُ بِلا هَوِيَّةٍ
جَهُومَةٌ
سَاكِنَةٌ
صَامِتَةٌ
وَعُيُونٌ شَارِدَةٌ بَاهِتَةٌ
مَا أَصْعَبَ
أَنْ تَصْبَحَ بُكَاءَ الرُّوحِ نَهْرًا
وَتَمُوتَ مِنَ القَهْرِ
عَلَى أَوْرَاقِ التَّهْنِئَةِ
حُرُوفِ الأَبْجَدِيَّةِ!
عِنْدَهَا
تَشْعُرُ بِغُرْبَةٍ وَظُلْمَةِ المَكَانِ
وَتَشْعُرُ أَنَّ وَطَنَكَ
يَضِيقُ وَيَضِيقُ صَدْرُهُ
يَصْرُخُ مِنْ وَجَعِهِ
مِنْ قَهْرِهِ
مِنْ نَحْرِهِ
بَعْدَ أَنْ مَرَّ عَلَيْكَ وَعَلَيْهِ
مَصَائِبُ الدَّهْرِ
... 4
جَاءَ العِيدُ انْهَضْ
انْهَضْ يَا بَائِعَ الفَرَحِ
قِفْ عِنْدَ مِرْآتِكَ المُعَبِّرَةِ
وَارْسُمْ بِسْمَتَكَ وَلَوْ كَانَتْ مَزْوَرَةً!
وَأَخْرِجْ حَمَائِمَكَ البَيْضَاءَ
مِنْ وَسَطِ الجُرْحِ
مِنْ خَلْجَانِ النَّزْفِ
مِنْ سُكُونِ المَقْبَرَةِ
وَلَا تَيْأَسْ وَتَقُلْ "المَعْذِرَةَ"!
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّسَامُحَ عِنْدَ المَقْدِرَةِ
وَاسْتَغْفِرْ
وَاقْرَأْ آيَاتِ اللهِ فِي كُلِّ خُطْوَةٍ... وَخُطْوَةٍ
فَمِنْ نَفَحَاتِهَا تَأْتِي المَغْفِرَةُ
... 5
يَا بَائِعَ الفَرَحِ
يَا صَاحِبَ القَلْبِ الرَّحِيمِ
اجْعَلْ رُوحَكَ تَهِيمُ
تُسَافِرُ طِيَاتُهَا فِي صَلَاتِهَا
تَهْرَبُ مِنْ ظُلُمَاتِهَا
مِنْ أَنِينِ وَحْدَتِهَا
تَبْحَثُ عَنْ هَالَةٍ تَسْكُنُهَا... تَأْوِيهَا
عَنْ وَرْدَةٍ بَيْضَاءَ تَسْكُنُ فِيهَا
وَتَمَسَّكْ بِحِبَالِ الصَّبْرِ
فَمِنْ جَوْفِهَا يَنْبُتُ وَتُورِقُ أَغْصَانُ الأَجْرِ
وَلَا تَقُلْ"لَا يَنْبُتُ الوَرْدُ
فِي أَرْضٍ حُبْلَى بِالجَمْرِ!"
... 6
مَا أَصْعَبَ
أَنْ تَشْعُرَ فِي يَوْمِ العِيدِ
أَنَّ دَاخِلَ عَبَاءَتِهِ البَيْضَاءِ
تَسْكُنُ شَيَاطِينُ الأَرْضِ!
وَكُلُّ شَيْءٍ حَوْلَكَ قَدِ انْقَلَبَ
وَصُنْدُوقُ أَحْلَامِكَ قَدْ نُهِبَ
وَاعْتُقِلَ طُمُوحُكَ وَعُذِّبَ
وَإِنَّ نَهَارَكَ قَدْ صُلِبَ
وَفَجْرُكَ عَلَى أَعْتَابِ اللَّيْلِ قَدْ ذُبِحَ
وَأَنْتَ مَا زِلْتَ تَسِيرُ وَتَبِيعُ الفَرَحَ!
... 7
اِمْشِ وَلَا تَخَفْ
عَلَى حَدِّ السَّيْفِ
عَلَى وَجَعِ الجُرْحِ
اِمْشِ عَلَى كِثْبَانِ المِلْحِ
اِمْشِ
وَاِمْشِ وَلَا تَخَفْ
فَفَوْقَ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا
مَشَى سَيِّدُنَا يُوسُفُ
اِمْشِ
عَلَى دَرْبِ الجَلْجَلَةِ
وَعَلَى آلَامِكَ عِصَّ
كَالْفَادِي المُخَلِّصِ
فَإِنَّ بِدَاخِلِكَ فَيْضًا مِنَ الأَمَلِ
وَسُيُولًا جَارِفَةً
تَهْدِرُ مِنْ نَهْرِ رُوحِكَ
تَثُورُ وَتَقْتَلِعُ اليَابِسَةَ
... 8
اِمْشِ يَا بَائِعَ الفَرَحِ
وَإِنْ كَانَتْ رُوحُكَ مُكَبَّلَةً بِحِبَالِ الحِرْمَانِ
وَاكْتُمِ مَا بِدَاخِلِكَ مِنْ آهَاتِكَ الصَّارِخَةِ
مَا أَصْعَبَ أَنْ يَسْكُنَ القَهْرُ الجَوَارِحَ
وَأَنْتَ تَبِيعُ الفَرَحَ رَغْمَ رُوحِكَ النَّائِحَةِ!
لِأَطْفَالٍ أَصْبَحَتْ أَحْلَامُهُمْ مَبْعَثَرَةً
تَتَرَقَّبُ كُلَّ لَحْظَةٍ وَلَحْظَةٍ
بِعُيُونٍ يَقِظَةٍ
أَنَّ هُنَاكَ عُيُونَ القَدَرِ شَاخِصَةً
تَرَاقِبُهُمْ عِنْدَ كُلِّ نَاصِيَةٍ
تُرْعِبُهُمْ
وَتَنْتَظِرُ أَنْ يُقْتَلَعَ طُفُولَتُهُمْ
كَمَا اقْتُلِعَتْ أَحْلَامُكَ الوَرْدِيَّةُ
ذَاتَ يَوْمٍ فِي وَطَنِ جُنُونِ عَاصِفَةٍ
.
•عَلَاء الغَرِيب / كَاتِب صَحَفِي
تعليقات
إرسال تعليق